01 July 2015

غزوة بدر


غزوة بدرجزء من غزوات الرسول محمد تاريخ17  رمضان 2هـ / 13 مارس  624 مالموقععند آبار بدر، على بعد 130 كيلومتراً جنوب غربي المدينة المنورة النتيجة انتصار المسلمين متحاربين المسلمون في المدينة قريش مكة القادة والزعماء رسول الإسلام محمد أبو جهل ,
عتبة بن ربيعة ,القوة313 رجلاً، وقيل 319، وقيل 340, فَرَسان اثنان, 70 جمل, 1000 رجل, 200 فرس، وقيل 100 فرس إصابات وخسائر14 قتيلاً، ستة من المهاجرين، وثمانية من الأنصار70 قتيلاً, 70 أسيراً.

غزوة بدر (وتُسمى أيضاً غزوة بدر الكبرى وبدر القتال ويوم الفرقان) هي غزوة وقعت في السابع عشر من رمضان في العام الثاني من الهجرة (الموافق 13 مارس 624م) بين المسلمين بقيادةرسول الإسلام محمد، وقبيلة قريش ومن حالفها منالعرب بقيادة عمرو بن هشام المخزومي القرشي. وتُعد غزوةُ بدر أولَ معركةٍ من معارك الإسلام الفاصلة،[1] وقد سُميت بهذا الاسم نسبةً إلى منطقة بدر التي وقعت المعركة فيها، وبدر بئرٌ مشهورةٌ تقع بين مكة والمدينة المنورة.[2]

بدأت المعركة بمحاولة المسلمين اعتراضَ عيرٍلقريشٍ متوجهةٍ من الشام إلى مكة يقودها أبو سفيان بن حرب، ولكن أبا سفيان تمكن من الفرار بالقافلة، وأرسل رسولاً إلى قريش يطلب عونهم ونجدتهم، فاستجابت قريشٌ وخرجت لقتالالمسلمين. كان عددُ المسلمين في غزوة بدر ثلاثمئة وبضعة عشر رجلاً، معهم فَرَسان وسبعون جملاً، وكان تعدادُ جيش قريش ألفَ رجلٍ معهم مئتا فرس، أي كانوا يشكِّلون ثلاثة أضعاف جيش المسلمين من حيث العدد تقريباً. وانتهت غزوة بدر بانتصارالمسلمين على قريش وقتل قائدهم عمرو بن هشام، وكان عدد من قُتل من قريش في غزوة بدر سبعين رجلاً وأُسر منهم سبعون آخرون، أما المسلمون فلم يُقتل منهم سوى أربعة عشر رجلاً، ستة منهم منالمهاجرين وثمانية من الأنصار. تمخَّضت عن غزوة بدر عدة نتائج نافعةٍ بالنسبة للمسلمين، منها أنهم أصبحوا مهابين في المدينة وما جاورها، وأصبح لدولتهم مصدرٌ جديدٌ للدخل وهو غنائم المعارك، وبذلك تحسّن حالُ المسلمين الماديّ والاقتصاديّ والمعنويّ.

غزوة بدر الكبرى أول معركة من معارك الإسلام الفاصلة:
سبب الغزوة:

سبق في ذكر غرزة العشيرة أن عيراً لقريش أفلتت من النبي صلى الله عليه وسلم في ذهابها من مكة إلى الشام، فلما قرب رجوعها من الشام إلى مكة بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد إلى الشمال ليقوما باكتشاف خبرها، فوصلا إلى الحوراء ومكثا حتى مر بهما أبو سفيان بالعير، فأسرعا إلى المدينة وأخبرا رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر .
وكانت العير تحمل ثروات طائلة لكبار أهل مكة ورؤسائها : ألف بعير موقرة بأموال لا تقل عن خمسين ألف دينار ذهبي . ولم يكن معها من الحرب إلا نحو أربعين رجلا .

إنها فرصة ذهبية للمسلمين ليصيبوا أهل مكة بضربة اقتصادية قاصمة، تتألم لها قلوبهم على مر العصور، لذلك أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً : ( هذه عير قريش فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها ) .
ولم يعزم على أحد بالخروج، بل ترك الأمر للرغبة المطلقة، لما أنه لم يكن يتوقع عند هذا الانتداب أنه سيصطدم بجيش مكة - بدل العير- هذا الاصطدام العنيف في بدر؛ ولذلك تخلف كثير من الصحابة في المدينة، وهم يحسبون أن مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الوجه لن يعدو ما ألفوه في السرايا والغزوات الماضية؛ ولذلك لم ينكر على أحد تخلفه في هذه الغروة .

مبلغ قوة الجيش الإسلامي وتوزيع القيادات:

واستعد رسول الله صلى الله عليه وسلم للخروج ومعه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً ـ 313، أو 314، أو 317 رجلاً ـ 82 أو 83 أو 86 من المهاجرين و 61 من الأوس و 170 من الخرزج . ولم يحتفلوا لهذا الخروج احتفالا بليغا، ولا اتخذوا أهبتهم كاملة، فلم يكن معهم إلا فرس أو فرسان : فرس للزبير بن العوام، وفرس للمقداد بن الأسود الكندي، وكان معهم سبعون بعيرا يعتقب الرجلان والثلاثة على بعير واحد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي ومرثد بن أبي مرثد الغنوي يعتقبون بعيراً واحد .
واستخلف على المدينة وعلى الصلاة ابن أم مكتوم، فلما كان بالروحاء رد أبا لبابة ابن عبد المنذر، واستعمله على المدينة .
ودفع لواء القيادة العامة إلى مصعب بن عمير القرشي العبدري، وكان هذا اللواء أبيض .
وقسم جيشه إلى كتيبتين :

1- كتيبة المهاجرين : وأعطى رايتها علي بن أبي طالب، ويقال لها : العقاب .
2- وكتبية الأنصار : وأعطى رايتها سعد بن معاذ . ـ وكانت الرايتان سوداوين ـ .
وجعل على قيادة الميمنة الزبير بن العوام، وعلى الميسرة المقداد بن عمرو- وكانا هما الفارسين الوحيدين في الجيش - كما سبق - وجعل على الساقة قيس بن أبي صعصعة، وظلت القيادة العامة في يده صلى الله عليه وسلم كقائد أعلى للجيش .
وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الجيش غير المتأهب، فخرج من نقب المدينة، ومضى على الطريق الرئيسي المؤدي إلى مكة، حتى بلغ بئر الروحاء، فلما ارتحل منها ترك طريق مكة إلى اليسار، وانحرف ذات اليمين على النازية يريد بدراً فسلك في ناحية منه حتى جزع ودياً يقال له : رحقان بين النازية وبين مضيق الصفراء، ثم مر على المضيق ثم انصب منه حتى قرب من الصفراء، ومن هنالك بعث بسبس بن عمرو الجني وعدي بن أبي الزغباء الجهي إلى بدر يتجسسان له أخبار العير .

المبارزة:

وكان هذا أول قتل أشعل نار المعركة، فقد خرج بعده ثلاثة من خيرة فرسان قريش كانوا من عائلة واحدة، وهم عتبة وأخوه شيبة ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة، فلما انفصلوا من الصف طلبوا المبارزة، فخرج إليهم ثلاثة من شباب الأنصار عَوْف ومُعَوِّذ ابنا الحارث ـ وأمهما عفراء ـ وعبد الله بن رواحة، فقالوا : من أنتم ؟ قالوا : رهط من الأنصار . قالوا : أكِِفَّاء كرام، ما لنا بكم حاجة، وإنما نريد بني عمنا، ثم نادى مناديهم : يا محمد، أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قم يا عبيدة بن الحارث، وقم يا حمزة، وقم يا على ) ، فلما قاموا ودنوا منهم، قالوا : من أنتم ؟ فأخبروهم، فقالوا : أنتم أكفاء كرام، فبارز عبيدة ـ وكان أسن القوم ـ عتبة بن ربيعة، وبارز حمزة شيبة، وبارز على الوليد . فأما حمزة وعلى فلم يمهلا قرنيهما أن قتلاهما، وأما عبيدة فاختلف بينه وبين قرنه ضربتان، فأثخن كل واحد منهما صاحبه، ثم كَرَّ على وحمزة على عتبة فقتلاه، واحتملا عبيدة وقد قطعت رجله، فلم يزل ضَمِنًا حتى مات بالصفراء،بعد أربعة أو خمسة أيام من وقعة بدر، حينما كان المسلمون في طريقهم إلى المدينة . وكان على يقسم بالله أن هذه الآية نزلت فيهم : { هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ } الآية [ الحج : 19 ] .

الهجوم العام:

وكانت نهاية هذه المبارزة بداية سيئة بالنسبة للمشركين؛ إذ فقدوا ثلاثة من خيرة فرسانهم وقادتهم دفعة واحدة،فاستشاطوا غضبًا،وكروا على المسلمين كرة رجل واحد .
وأما المسلمون فبعد أن استنصروا ربهم واستغاثوه وأخلصوا له وتضرعوا إليه تلقوا هجمات المشركين المتتالية، وهم مرابطون في مواقعهم، واقفون موقف الدفاع، وقد ألحقوا بالمشركين خسائر فادحة، وهم يقولون : أحَد أحَد .


الرسول صلى الله عليه وسلم يناشد ربه:

أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان منذ رجوعه بعد تعديل الصفوف يناشد ربه ما وعده من النصر، ويقول : ( اللّهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك ) ، حتى إذا حَمِىَ الوَطِيسُ، واستدارت رحى الحرب بشدة واحتدم القتال، وبلغت المعركة قمتها، قال : ( اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد، اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبدًا ) . وبالغ في الابتهال حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فرده عليه الصديق، وقال : حسبك يا رسول الله، ألححت على ربك .
وأوحى الله إلى ملائكته : { أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ } [ الأنفال : 12 ] ،وأوحى إلى رسوله : { أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ } [ الأنفال : 9 ] ـ أي إنهم ردف لكم، أو يردف بعضهم بعضًا أرسالًا، لا يأتون دفعة واحدة .

نزول الملائكة:
وأغفي رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاءة واحدة، ثم رفع رأسه فقال : ( أبشر يا أبا بكر، هذا جبريل على ثَنَاياه النَّقْعُ ) [ أي الغبار ] وفي رواية ابن إسحاق : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أبشر يا أبا بكر، أتاك نصر الله، هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده، وعلى ثناياه النقع  .
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من باب العريش وهو يثب في الدرع ويقول : { سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ } [ القمر : 45 ] ،ثم أخذ حَفْنَةً من الحَصْبَاء، فاستقبل بها قريشًا وقال : ( شاهت الوجوه ) ورمى بها في وجوههم، فما من المشركين من أحد إلا أصاب عينيه ومنخريه وفمه من تلك القبضة، وفي ذلك أنزل الله : { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى } [ الأنفال : 17 ] .

قتلى الفريقين:
انتهت المعركة بهزيمة ساحقة بالنسبة للمشركين، وبفتح مبين بالنسبة للمسلمين، وقد استشهد من المسلمين في هذه المعركة أربعة عشر رجلًا، ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار .
أما المشركون فقد لحقتهم خسائر فادحة، قتل منهم سبعون، وأسر سبعون . وعامتهم القادة والزعماء والصناديد .
ولما انقضت الحرب أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وقف على القتلى فقال : ( بئس العشيرة كنتم لنبيكم؛ كذبتموني وصدقني الناس، وخذلتموني ونصرني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس ) ، ثم أمر بهم فسحبوا إلى قليب من قُلُب بدر .
وعن أبي طلحة : أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلًا من صناديد قريش، فقذفوا في طَويّ من أطواء بدر خَبِيث مُخْبث . وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعَرْصَة ثلاث ليال، فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشد عليها رحلها، ثم مشى، واتبعه أصحابه . حتى قام على شفة الرَّكِىّ، فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم، ( يا فلان بن فلان، يا فلان بن فلان، أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله ؟ فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقًا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقًا ؟ ) فقال عمر : يا رسول الله، ما تكلم من أجساد لا أرواح لها ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( والذي نفس محمد بيده، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ) وفي رواية : (ما أنتم بأسمع منهم، ولكن لا يجيبون) (الرحيق المختوم)


الدروس والعبر
1-      المسرة من المضرة:
حين نودي على الجهاد وعد الله المؤمنين هذا الوعد: ﴿وَإِذْ يَعِدُكُمْ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ﴾ (الأنفال: من الآية 7).. والنفس البشرية دائمًا تميل إلى الراحة والدعة وتتوقى المشقة والضرر، ولو كان في الراحة الخسران وفي الضرر والمشقة النصر والتمكين وهذا ما حكاه القرآن، في هذا الوعد ويتأكد في قوله تعالى قال الله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (البقرة-216)

في هذه الآية عدة حكم وأسرار ومصالح للعبد، فإن العبد إذا علم أن المكروه قد يأتي بالمحبوب والمحبوب قد يأتي بالمكروه، لم يأمن أن توافيه المضرة من جانب المسرة، ولم ييأس أن تأتيه المسرة من جانب المضرة؛ لعدم علمه بالعواقب، فإن الله يعلم منها ما لا يعلمه العبد. قال الحسن: لا تكرهوا الملمات الواقعة، فلرب أمر تكرهه فيه نجاتك، ولرب أمر تحبه فيه عطبك، وأنشد أبو سعيد الضرير:

·         رب أمر تتقيه جرَّ أمرًا ترتضيه

·         خفي المحبوب منه وبدا المكروه فيه

·         ومن كلام الحكماء: "رب مسرة هي الداء، ومرض وهو الشفاء"، كما قال:

·         كم نعمة مطوية لك بين أنياب النوائب

·         ومسرة قد أقبلت من حيث ترتقب المصائب

·         فاصبر على حدثا ن دهرك فالأمور لها عواقب

·         ولكل كرب فرجة ولكل خالصة شوائب.

قال أبو عبيدة: (عسى) من الله إيجاب، والمعنى عسى أن تكرهوا ما في الجهاد من المشقة، وهو خير لكم في أنكم تَغلبون وتَظفرون وتَغنمون وتُؤجرون، ومن مات مات شهيدًا، وعسى أن تحبوا الدعة وترك القتال، وهو شر لكم في أنكم تُغلبون وتُذلون ويذهب أمركم، ثم يقول القرطبي معقِّبًا: "وهذا صحيح لا غبار عليه، كما اتفق في بلاد الأندلس، تركوا الجهادَ، وجبُنوا عن القتال، وأكثروا من الفرار، فاستولى العدو على البلاد، وأي بلاد؟! وأسَرَ وقَتَل وسبى واسترقَّ، فإنا لله وإنا إليه راجعون! ذلك بما قدمت أيدينا وكسبته"!.

هذا الذي قاله الإمام القرطبي على الأندلس نقوله نحن عن فلسطين، وقد انتزعها بضعة ملايين من يهود، من أيدي مليار مسلم؛ وذلك لتركهم الجهاد، وقعودهم عن القتال، وإخلادهم إلى الأرض، وإتباعهم الشهوات؛ إذ الجهاد والقتال كريه إلى النفس وبغيض إلى القلب، بينما الترف والشهوات وزينة الأرض محبوبة إلى النفس ويهواها القلب، وغابت عنهم حقيقة هذه الآية، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وفي بدر ﴿.. لِيُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (الانفال)

2-       نأخذ بالأسباب ونوقن بأن الله هو الفاعل:
من أساسيات العقيدة الأخذ بالأسباب كما أمر الله: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (الأنفال-60)

وبعد الإعداد والأخذ بالأسباب يكون المؤمن على يقين تامٍّ أن الله هو الفاعل الحقيقي، فإن شاء أمضى الأسباب، وجعل قوتها المؤثرة أقوى من قوة القائم بها، وإن شاء عطَّلها وسلبَها الأثر، وتأمَّل ذلك واضحًا في قول رب العالمين لنبيه تعقيبًا على غزوة بدر: ﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾ (الأنفال: من الآية 17)، وفي غزوة الأحزاب: ﴿وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (25)﴾ (الأحزاب)
فالمسلم وهو يواجه عدوَّه يشعر بمعية الله، وأنه هو الذي يدبِّر أمر المعركة وإليه يرجع الأمر كله: ﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إلى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ﴾ (الأنفال: من الآية 12)، كما أن المسلم على يقين من أن النصر من عند الله، ينزله على الأصفياء من عباده والمخلَصين من أوليائه، والقرآن يحدثنا دائمًا أن النصر من عند الله في غزوة بدر.. ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ (الأنفال: من الآية 10).

3-      قوة الإيمان هي السلاح البتار:
وإذا كان الله قد أمر بإعداد ما نستطيع من قوة لمواجهة الأعداء؛ فإن أعظم القوة الإيمان الصادق بالله، وعدونا لا يخشى في ميدان المعركة الأسلحة التي بأيدينا، ولكنه يخشى من سلاح الإيمان الذي يستمد قوته من الله؛ لأنه السلاح الذي لا يقهر واليقين الذي لا يغلب، ولا أدلَّ على ذلك في عصرنا الحاضر من تسخير الأعداء كل قواهم لاغتيال الشيخ أحمد ياسين، وهو القعيد الذي لا يحمل طلقةً، ومن قبله يتآمر العالم على اغتيال الإمام البنا- رحمهما الله- الأعزل من أي سلاح، وليس لذلك من سبب إلا الخوف من مخازن أسلحة الإيمان، فالمصلحون المخلصون والدعاة الصادقون يحملون بين جنباتهم مصانع إيمان تبث إنتاجها في قلوب من حولهم، ويمدون به كل جبان رعديد، فإذا به في الميدان أسدٌ هصورٌ، كما يبعث الإيمان بالأمل في قلوب اليائسين القانطين، فيتوجهون لملاقاة العدو، وكلهم يقين أن نصر الله آتٍ، وأن التمكين لهم قريب: ﴿إِنْ يَنْصُرْكُمْ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ (160)﴾ (آل عمران).

4-      قوة الترابط بين المؤمنين:
وبعد قوة الإيمان تأتي قوة الترابط بين المؤمنين والمحبة فيما بينهم والتآلف بين قلوبهم، وهذه منَّةٌ من الله ومن أعظم أسرار النصر: يقول الله تعالى: ﴿... هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.  (سورة الأنفال-62,63)

وما أحسن بيان هذا المعنى في قول الإمام البنا: "ولقد كنت- ولا زلت- أقول للإخوان في كل مناسبة: "إنكم لن تُغلَبوا أبدًا من قلة عددكم، ولا من ضعف وسائلكم، ولا من كثرة خصومكم، ولا من تألُّب الأعداء عليكم، ولو تجمع أهل الأرض جميعًا ما استطاعوا أن ينالوا منكم، إلا ما كتب الله عليكم، ولكنكم تُغلبون أشدَّ الغلب، وتفقدون كل ما يتصل بالنصر والظفر بسبب إذا فسدت قلوبكم، ولم يصلح الله أعمالكم، أو إذا تفرقت كلمتكم، واختلفت آراؤكم.. أما ما دمتم على قلب رجل واحد متجه إلى الله تبارك وتعالى، آخذ في سبيل طاعته، سائر نهج مرضاته، فلا تهنوا أبدًا ولا تحزنوا أبدًا، وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم".

والحديث عن غزوة بدر في سورة الأنفال يؤيد هذا المعنى؛ حيث يقول في صدر السورة: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَنْفَالِ قُلْ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (1)﴾؛ فإصلاح ذات البين وتوحيد الصف، ورفع النزاع والخصومة بين المؤمنين من أولى مقومات النصر ولوازمه، والتفرق والتنازع من أعظم مسببات الضعف والفشل.. ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (سورة الانفال-64)

5-      الثبات وذكر الله عند لقاء الأعداء:
في الحديث عن غزوة بدر، والتعقيب عليها في سورة الأنفال يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (الأنفال-45).. أمر الله تعالى بالثبات عند قتال الأعداء والصبر على مبارزتهم، فلا يفروا ولا ينكلوا ولا يجبنوا، وأن يذكروا الله في تلك الحال ولا ينسوه، بل يستغيثوا به ويتوكلوا عليه أن يثبت أقدامهم وأن ينصرهم على أعدائهم؛ قال الله تعالى: ﴿وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ. (البقرة-250)، وقال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ. (آل عمران-147)

6-       الشورى بين القائد الجند:
وفي بدرٍ يُرسي رسولُ الله- صلى الله عليه وسلم- مبدأ الشورى؛ فيسمع من خباب وينزل على رأيه، وكذلك شاور أصحابه في أُحُد، ونزل على رأيهم ولم يتمسك برأيه، وأصابهم ما أصابهم، ومع ذلك ينزل القرآن الكريم ليثبت حق الشورى مهما كانت النتائج.. ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ (آل عمران-159)

7-      استكشاف قوة الأعداء:
وقد قام النبي- صلى الله عليه وسلم- باستكشاف قوة الأعداء بنفسه؛ حيث صحب أبا بكر، وتجوَّلا حول معسكر مكة، فوجدا شيخًا من العرب فسأله رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن قريش وعن محمد وأصحابه- سأل عن الجيشين زيادةً في التكتم- ولكن الشيخ قال لا أخبركما حتى تخبراني ممن أنتما؟ فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم- "إذا أخبرتنا أخبرناك"، قال: أو ذاك بذاك؟ قال: "نعم".. قال الشيخ: فإنه بلغني أن محمدًا وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان صدق الذي أخبرني فهو اليوم بمكان كذا وكذا- للمكان الذي به جيش المدينة- وبلغني أن قريشًا خرجوا يوم كذا وكذا فإن كان صدق الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا وكذا- للمكان الذي به جيش مكة.

ولما فرغ من خبره قال: ممن أنتما؟ فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "نحن من ماء"، ثم انصرف عنه وبقي الشيخ يتفوَّه، ما من ماء؟ أمن ماء العراق؟ ثم أرسل ثلاثة من قادة المهاجرين، علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص، في نفر من الصحابة إلى ماء بدر فوجدوا غلمانًا يستقون لجيش مكة، فألقوا عليهم القبض وجاءوا بهم والرسول- صلى الله عليه وسلم- يصلي، فقالوا: نحن سقاة قريش، بعثونا نسقيهم من الماء، فكره القوم خبرهم فضربوهم، فقالوا: نحن لأبي سفيان، ونحن في العير، فأمسكوا عنهم، فسلم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقال: "إن صدقوكم ضربتموهم وإذا كذبوكم تركتموهم؟!"، ثم أقبل عليهم يسألهم، فأخبروه أن قريشًا خلف هذا الكثيب وأنهم ينحرون يومًا عشرًا ويومًا تسعًا، وأعلموه بمن خرج من مكة، فقال- صلى الله عليه وسلم-: "القوم ما بين الألف والتسعمائة"، وقال: "هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها" (إمتاع الأسماع-77)

8-       المسلم الصادق موصول بجند السماء:
إن المسلم في مواجهته للباطل يحشد ما استطاع من قوة، ولا يدَّخر في ذلك وُسعًا، ثم هو بعد ذلك لا يرهب قوة الأعداء، وإن كانت تفوقه عددًا وعتادًا؛ لأنه على يقين من أنه ليس في الميدان وحده، وإنما معه جند الله الذي لا يعلمها إلا هو، وفي بدر يتجلى ذلك في مواقف عدة؛ حيث تنتصر القلة المؤمنة على الكثرة المشركة وذلك بفضل ما سخر الله للمسلمين من جند السماء والأرض والتي كان منها:

أ- الملائكة مدد من السماء: حين استغاث الرسول- صلى الله عليه وسلم- ومن معه من المؤمنين بربهم أمدهم بالملائكة: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)﴾ (الأنفال)، والمتأمل يرى أن عدة الملائكة بعدة المشركين، وبذلك يتحقق ما أخبر به الله من البشرى والطمأنينة للمؤمنين: ﴿وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. (الأنفال-10)

ب- النوم والمطر: قبل المعركة كان المسلمون في حالة من التعب والإعياء والخوف يحتاجون معها إلى قسط من الراحة قبل المواجهة، كما أن ساحة المعركة كانت في حاجة إلى تجهيز وإعداد بما يمكِّن المسلمين من الحركة في الميدان وفي المقابل يعوق حركة المشركين؛ فأنزل الله عليهم النعاس والمطر.. ﴿إِذْ يُغَشِّيكُمْ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ (الانفال-11)

يقول الماوردي: وفي امتنان الله عليهم بالنوم في هذه الليلة وجهان:

أحدهما: أن قوَّاهم بالاستراحة على القتال من الغد.
الثاني: أن أمَّنهم بزوال الرعب من قلوبهم، كما يقال: الأمنُ مُنِيم، والخوف مُسْهِر (القرطبي: 7/ 237)، وعن علي- رضي الله عنه- قال: ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد، ولقد رأيتُنا وما فينا إلا نائمٌ إلا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي تحت الشجرة حتى أصبح" (الدر المنثور: 3/ 310)، وعن عروة بن الزبير- رضي الله عنه- قال: بعث الله السماء وكان الوادي دهسًا، وأصاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه منها ما لبَد الأرض ولم يمنعهم المسير، وأصاب قريشًا ما لم يقدروا على أن يرتحلوا معه (الدر المنثور: 3/ 311)، وروي أنهم كانوا على جنابة وظمأ، وأن الشيطان ألقى في قلوبهم الحزن، وقال: أتزعمون أن فيكم نبيًّا، وأنكم أولياء الله، وتصلون مجنبين محدثين؟! فأنزل الله من السماء ماءً فسال عليهم الوادي ماءً؛ فشرب المسلمون وتطهَّروا وثبت أقدامهم وذهبت وسوسته (الدر المنثور: 3/ 311)

ج- سلاح الرعب: إن سلاح الرعب من أقوى الأسلحة التي يتحقق بها الغلبة على الأعداء، وهذا السلاح إذا سرى في أقوى الجيوش وأعتاها، فإنه ينهار ولا يغني عنه لا عدد ولا عتاد، وهذا السلاح لا يملك خزائنه إلا من يقدر على الوصول إلى القلب الذي هو محلّ التثبيت والخوف والهلع، وتأمل قول رب القلوب: ﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ. (الأنفال-12)

ومن خصائص نبينا- صلى الله عليه وسلم- وخصائص الأمة الإسلامية النصر بالرعب مسيرة شهر؛ فعن جابر بن عبد الله أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "أعطيتُ خمسًا لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي المغانم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة" (فتح الباري: 1/335/ 435)

إن الرعب سلاح يفتك بالمشركين والكافرين قبل المواجهة، قال الله تعالى: ﴿سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا﴾ (آل عمران: من الآية 151)، وفي حق يهود يقول: ﴿وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَار﴾ (الحشر: من الآية 2)، وفي حق الأحزاب: ﴿وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا﴾ (الأحزاب: من الآية 26)؛ فسلاح الرعب سلاح ينفذ إلى أعماق القلوب، فيسلب من أصحابها العقلَ والحسَّ، ويجعلها في حالة من الذهول واللا وعي ﴿لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ (البقرة-264)

9-      من يحارب الإسلام إنما يحارب الله:
إن الذين ينصبون لواء الحرب والعداء على الإسلام والمسلمين إنما يعلنون الحرب على الله، ومن يعلن الحرب على الله لن تقوم له قائمة مهما كان عدده وعتاده، والعجيب أن قريشًا كانت تعلم ذلك، وهذه الواقعة تؤكد ذلك؛ فحين مرت قريش على خفاف بن أيماء بن رحضة الغفاري أو أبيه بعث إليهم بجزائر (الذبائح) أهداها لهم، وقال: إن أحببتم أن نمدكم بسلاح ورجال فعلنا؛ قال: فأرسلوا إليه مع ابنه: أن وصلتك رحم، قد قضيت الذي عليك، فلعمري لئن كنا إنما نقاتل الناس فما بنا من ضعف عنهم، ولئن كنا إنما نقاتل الله- كما يزعم محمد- فما لأحد بالله من طاقة. (سيرة ابن هشام: 2/ 192)

10-  خطبة النبي- صلى الله عليه وسلم- يوم بدر ترسم طريق النصر:
كل هذه المعاني السابقة وغيرها تجدها في خطبة النبي- صلى الله عليه وسلم- يوم بدر؛ حيث حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "أما بعد: فإني أحثكم على ما حثكم الله عليه، وأنهاكم عما نهاكم عنه، فإن الله عظيم شأنه، يأمر بالحق ويحب الصدق، ويعطي على الخير أهله على منازلهم عنده، به يذكرون وبه يتفاضلون، وإنكم قد أصبحتم بمنزل الحق لا يقبل الله فيه أحد إلا ما ابتُغي به وجهه، وإن الصبر في مواطن البأس مما يفرج الله به الهمَّ، وينجي به من الغَمِّ، وتدركون النجاة في الآخرة، فيكم نبي الله يحذركم ويأمركم، فاستحيوا اليوم أن يطلع الله عز وجل على شيء من أمركم يمقتكم عليه، فإن الله يقول: ﴿لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ (غافر-10)

انظروا الذي أمركم به من كتابه وأراكم من آياته، وأعزَّكم به بعد ذلة؛ فاستمسكوا به يرضى به ربكم عنكم، وأبلوا ربكم في هذه المواطن أمرًا تستوجبوا الذي وعدكم به من رحمته ومغفرته؛ فإن وعده حق، وقوله صدق، وعقابه شديد، وإنما أنا وأنتم بالله الحي القيوم، إليه ألجأنا ظهورنا، وبه اعتصمنا، وعليه توكلنا وإليه المصير، يغفر الله لي وللمسلمين" (إمتاع الأسماع: 81)

11-  صور إيمانية مشرقة:
ا- مروءة ووفاء: نهى النبي- صلى الله عليه وسلم- عن قتل أبي البختري وفاءً لما قدم له من معروف وهو بمكة؛ لأنه كان كفَّ القوم عنه وهو بمكة، وكان لا يؤذيه ولا يبلغ عنه شيء يكرهه، وكان ممن قام في نقض صحيفة المقاطعة، ولكن أبا البختري قُتل؛ حيث إن المجذر بن زياد لقيه في المعركة مع صاحب له يقاتلان سويًّا فقال المجذر: يا أبا البختري إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد نهانا عن قتلك، فقال: وزميلي؟! فقال: لا.. والله ما نحن بتاركي زميلك ما أمرنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلا بك وحدك؛ فقال: لا والله إذن لأموتن أنا وهو جميعًا، لا تتحدث عني نساء مكة أني تركت زميلي حرصًا على الحياة؛ فقال أبو البختري حين نازله المجذر وأبى إلا القتال، يرتجز: لن يُسلم ابن حرة زميله حتى يموت أو يرى سبيله فاقتتلا، فقتله المجذر إلى قتله (سيرة ابن هشام: 2/ 197)

ب- قتل عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- خاله العاص بن هشام.

ج- أخوة الإيمان تعلو على أخوة النسب: بعد انتهاء المعركة مرَّ مصعب بن عمير بأخيه أبي عزيز وهو بيد أحد الأنصار فقال له: شدَّ يدك به؛ فإن أمه ذات متاع، لعلها تفديه منك، فقال أبو عزيز لأخيه مصعب: أهذه وصيتك بي؟ فقال مصعب: إنه أخي دونك.



فرابطة الإيمان أعلى الروابط وأبقاها، وتعلو على روابط الدم والنسب والأرض.
د- الوصية بالأسرى
يقول أبي عزيز: وكنت في رهط من الأنصار حين أقبلوا بي من بدر، فكانوا إذا قدموا غداءهم وعشاءهم خصوني بالخبز وأكلوا التمر لوصية رسول- صلى الله عليه وسلم- إياهم بنا، ما تقع في يد رجل منهم كسرة خبز إلا نفحني بها، قال: فأستحيي فأردها على أحدهم، فيردها عليَّ ما يمسها (سيرة ابن هشام: 2/ 209 بتصرف)

هـ- انقطع سيف عكاشة بن محصن فأتى النبي- صلى الله عليه وسلم- فأعطاه جذلاً من حطب، فقال: قاتل بهذا يا عكاشة، فلما هزَّه عاد سيفًا في يده طويل القامة، شديد المتن، أبيض الحديدة، فقاتل به حتى فتح الله تعالى للمسلمين، وكان ذلك السيف يسمى "العون"، ثم لم يزل عنده يشهد به المشاهد، حتى قتل في حروب الردة وهو عنده (الرحيق المختوم: 262)

و- روي أن عوف بن الحارث، وهو ابن عفراء قال: يا رسول الله، ما يضحك الرب (أي يرضيه غاية الرضا مع تبشير وإظهار كرامة) من عبده؟ قال: "غمسه يده في العدو حاسرًا"، فنزع درعًا كانت عليه فقذفها، ثم أخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل (سيرة ابن هشام: 2/ 196).

12-  المعركة بالأرقام:
عدد المسلمين: 314
عدد المشركين: 1000 تقريبًا
شهداء المسلمين: 14
قتلى المشركين: 70 قتيلاً، و70 أسيرًا وعامتهم من القادة والزعماء والصناديد.
العتاد: المسلمون لم يكن معهم سوى فرسين.
المشركون: 100 فرس عليها مائة درع، سوى دروع في المشاة، و700 ناقة.

ليقطع دابر الكافرين:
روى أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل بدرا قال: (هذا مَصْرَعُ فُلَانٍ، قال: وَيَضَعُ يَدَهُ على الأرض هاهنا وهاهنا قال: فما مَاطَ أَحَدُهُمْ عن مَوْضِعِ يَدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم) رواه مسلم. وقال عمر رضي الله عنه: (إِنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يُرِينَا مَصَارِعَ أَهْلِ بَدْرٍ بِالْأَمْسِ يقول: هذا مَصْرَعُ فُلَانٍ غَدًا إن شَاءَ الله، قال عُمَرُ: فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ ما أخطؤا الْحُدُودَ التي حَدَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم) (رواه مسلم)

والتقى الجمعان، وتقابل الصفان، وكان في المشركين من يشير عليهم بأن يرجعوا، ولكن كبرياء أبي جهل تأبى ذلك، فما زال بهم حتى عزموا على الحرب، ووقفوا لها، وخرج المبارزون منهم للمبارزة، ووقع أمر الله تعالى، وتحقق وعده بقطع دابرهم {وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الكَافِرِينَ} (الأنفال:7)

فقتل سبعون منهم، وأُسر سبعون، وكان في القتلى جملة كبيرة من سادة قريش وكبارهم، وصناديد الكفر وشجعانهم، أخذت منهم سيوف الحق حظها، وارتوت أرض بدر بدمائهم، ودارت دائرة السوء على أعداء الله تعالى، وانتصرت الفئة المؤمنة المستضعفة، ونال المعذبون ممن كانوا يُعَذِّبُونهم على الإيمان في رمضاء مكة، وانتصر الله تعالى لهم منهم، وأَبْصَرَ بِلَالٌ أُمَيَّةَ بن خَلَفٍ -وقد كان يعذبه بمكة- فقال: أُمَيَّةُ بنُ خَلَفٍ! لَا نَجَوْتُ إن نَجَا أُمَيَّةُ، وأعانه عليه فَرِيقٌ من الْأَنْصَارِ فَتَخَلَّلُوهُ بِسُّيُوفِهم حتى قَتَلُوهُ) وقصة قتله في صحيح البخاري.

وكان أمية صديقا لسعد بن معاذ رضي الله عنه، فإذا ذهب سعد إلى مكة نزل عند أمية، وإذا ذهب أمية إلى المدينة نزل عند سعد، وذات مرة خرج سعد معتمرا فأجاره أمية وضيَّفه، وأخبره سعد رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قد أخبر بمقتله، فقال: (بِمَكَّةَ؟ قال: لَا أَدْرِي، فَفَزِعَ لِذَلِكَ أُمَيَّةُ فَزَعًا شَدِيدًا فأخبر أهله بذلك وقال: والله لَا أَخْرُجُ من مَكَّةَ) ولكن الشقي سيدركه شقاؤه ولو احترز، وأمر الله تعالى أمضى من عزمه ويمينه، ورفقةُ السوء لن تزال به حتى تورده حتفه.

فلما كان يَوْمُ بَدْرٍ اسْتَنْفَرَ أبو جَهْلٍ الناس، قال: أَدْرِكُوا عِيرَكُمْ, فَكَرِهَ أُمَيَّةُ أَنْ يَخْرُجَ، فَأَتَاهُ أبو جَهْلٍ فقال: يا أَبَا صَفْوَانَ، إِنَّكَ مَتَى ما يَرَاكَ الناس قد تَخَلَّفْتَ وَأَنْتَ سَيِّدُ أَهْلِ الْوَادِي تَخَلَّفُوا مَعَكَ فلم يَزَلْ بِهِ أبو جَهْلٍ حتى قال: أَمَّا إِذْ غَلَبْتَنِي فو الله لَأَشْتَرِيَنَّ أَجْوَدَ بَعِيرٍ بِمَكَّةَ ثُمَّ قال أُمَيَّةُ: يا أُمَّ صَفْوَانَ جَهِّزِينِي، فقالت له: يا أَبَا صَفْوَانَ، وقد نَسِيتَ ما قال لك أَخُوكَ الْيَثْرِبِيُّ؟ قال: لَا، ما أُرِيدُ أَنْ أَجُوزَ مَعَهُمْ إلا قَرِيبًا، فلما خَرَجَ أُمَيَّةُ أَخَذَ لَا يَنْزِلُ مَنْزِلًا إلا عَقَلَ بَعِيرَهُ فلم يَزَلْ بِذَلِكَ حتى قَتَلَهُ الله عز وجل بِبَدْرٍ. (رواه البخاري)

لقد قُتِل في بدر رؤساءُ الكفر، وأئمةُ الشرك، وقَطَع الله تعالى دابرهم، وشفى صدور المؤمنين منهم، وكانت نهايتهم في الدنيا شرَّ نهاية، وعذابُ الآخرة أشد وأبقى.

عن عائشة رضي الله عنها قالت: (أَمَرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالْقَتْلَى أن يُطْرَحُوا في الْقَلِيبِ فَطُرِحُوا فيه إلا ما كان من أُمَيَّةَ بنِ خَلَفٍ فإنه انْتَفَخَ في دِرْعِهِ فَمَلأَهَا فَذَهَبُوا يُحَرِّكُوهُ فَتَزَايَلَ، فَأَقَرُّوهُ وَأَلْقَوْا عليه ما غيبه مِنَ التُّرَابِ وَالْحِجَارَةِ، فلما أَلْقَاهُمْ في الْقَلِيبِ وَقَفَ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أَهْلَ الْقَلِيبِ، هل وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا فإني قد وَجَدْتُ ما وعدني ربي حَقًّا، فقال له: أَصْحَابُهُ، يا رَسُولَ الله أَتُكَلِّمُ قَوْماً مَوْتَى، فقال لهم: لقد عَلِمُوا أن ما وَعَدْتُهُمْ حَقٌّ). (رواه أحمد)

وفي رواية أنه عليه الصلاة والسلام قال لهم: (جَزَاكُمُ الله شَرًّا من قَوْمِ نبي ما كان أَسْوَأَ الطَّرْدِ وَأَشَدَّ التَّكْذِيبِ).

وفي رواية للبخاري من حديث أنس رضي الله عنه: (فَجَعَلَ يُنَادِيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ يا فُلَانُ بن فُلَانٍ وَيَا فُلَانُ بن فُلَانٍ أَيَسُرُّكُمْ أَنَّكُمْ أَطَعْتُمْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فإنَّا قد وَجَدْنَا ما وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا).

وفي رواية لمسلم: (فَنَادَاهُمْ عليه الصلاة والسلام فقال: يا أَبَا جَهْلِ بن هِشَامٍ يا أُمَيَّةَ بنَ خَلَفٍ يا عُتْبَةَ بن رَبِيعَةَ يا شَيْبَةَ بن رَبِيعَةَ، أَلَيْسَ قد وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا فَإِنِّي قد وَجَدْتُ ما وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا).

وفي السيرة النبوية أنه عليه السلام قال لهم: (بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم: كذبتموني وصدَّقَني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس وقاتلتموني ونصرني الناس فبئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم)

هكذا كانت نهاية أئمة الكفر، وكذلك يقطع الله تعالى دابر كل مستكبر جبار، كما قطع سبحانه دابر قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم لوط وقوم شعيب وفرعون وهامان وقارون، وحَقَّ في كفار مكة قول الله تعالى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ الله كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ القَرَارُ} (إبراهيم:29).

قال عمرو بن دينار رحمه الله تعالى:هم كفار قريش، ومحمدٌ النعمة ودار البوار النار يوم بدر. فالحمد لله الذي أمكن من أعدائه، ونصر أولياءه {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ} [المجادلة:5] {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ * كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة:21].

 قد سمى الله تعالى في القرآن يوم بدر بيوم الفرقان؛ لما كان فيه من التفريق بين الحق والباطل، وظهور نبينا صلى الله عليه وسلم على قومه من المشركين ..
ولست أريد أن أذكر ما جرى من أحداث في هذه الغزوة المباركة، وإنما أردت أن أثبت بعض ما اشتملت عليه من فوائد عظيمة يحتاج إليها كل مسلم ، فمن ذلك :

1-  أنّه لا يعلم الغيب إلا الله تعالى ، فلقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ولا يعلمون أنّ اللقاء سيكون بينهم وبين جيش مكة الذي استنفره أبو سفيان .

2- من مهمات الفوائد أنّه لا عز ولا مجد ولا سيادة ولا ظهور إلا بإحياء شعيرة الجهاد في سبيل الله ، بها علت راية لا إله إلا الله، وبها كتب الله الظهور لدينه ، والله تعالى وعد في القرآن الكريم بإظهار دينه في ثلاثة مواضع ، وفي كل موضع منها يذكر الله الجهاد قبلها وبعدها، وهي رسالة تقول لنا: إنه لا سبيل إلى تحقيق ذلك إلا بالتمسك بديني وإقامة شعيرة الجهاد في سبيلي. وهل أدل على ذلك من حديث نبي الله صلى الله عليه وسلم :«إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ» [أبو داود] .

3- اليقظة والانتباهة في قيادة النبي صلى الله عليه وسلم ، فلقد علم بخروج أبي سفيان إلى الشام وتعرض له وأفلت منه ، وها هو صلى الله عليه وسلم يعلم برجوعه ويخرج بأصحابه لمقابلته ومن معه .

4- وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ} [البقرة:216]، وفي النساء : { فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرً} [النساء: 19] . فلقد كان أمر الكثيرين كما قال الله :{ وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ} [الأنفال: 7]. فعلى المسلم أن يسلم لأمر الله، فإنه لا يدري أين الخير لنفسه، فخيرة الله لنا خير من خيرة أنفسنا لأنفسنا.

5- شدة عتو أبي جهل، فرعون هذه الأمة، فبعد علمه بنجاة أبي سفيان الذي أرسل إليهم : إنكم إنما خرجتم لتمنعوا عيركم ورجالكم وأموالكم ، فقد نجاها الله فارجعوا ، فقال أبو جهل: والله لا نرجع حتى نرد بدراً ، فنقيم عليه ثلاثاً ، فننحر الجزر ، ونسقى الخمر ، وتعزف علينا القيان، وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا فلا يزالون يهابوننا أبدا ، فامضوا. فقبحه الله من جاهل مشرك متكبر لا يؤمن بيوم الحساب !

6-  بركة الاستشارة ، فلقد استشار صلى الله عليه وسلم أصحابه وهو نبي يوحى إليه، قال الله له :{ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} (آل عمران: 159).

7- فضل الصحابة. فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما استشارهم "قام أبو بكر الصديق رضي الله عنه فقال وأحسن، ثم قام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال وأحسن، ثم قام المقداد بن عمرو رضي الله عنه فقال: "يا رسول الله امض لما أراك الله، فنحن معك والله لا نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى بَرْكِ الغِمَاد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيراً ودعا له. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أشيروا علي أيها الناس» وإنما يريد الأنصار، وذلك أنهم كانوا عدد الناس وأنهم حين بايعوه بالعقبة قالوا: يا رسول الله إنا برآء من ذمامك حتى تصل إلى ديارنا، فإذا وصلت إلينا فأنت في ذمتنا نمنعك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوف أن لا تكون الانصار ترى عليها نصره إلا ممن دهمه بالمدينة من عدوه، وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو من بلادهم. فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له سعد بن معاذ: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله ؟ قال: :« أجل ». قال فقد آمنا بك، وصدقناك ، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق ، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة لك، فامض يا رسول الله لما أردت، فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق، لو استعرضت بنا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا إنا لصُبُر في الحرب ، صُدُق عند اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر على بركة الله. فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد ، ونشطه ذلك ، ثم قال: «سيروا وأبشروا؛ فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين ، والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم " هكذا رواه ابن إسحاق رحمه الله" [البداية والنهاية (3/321) .

8- رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالمشركين ، فإن الصحابة لما أمسكوا بغلامين وكانوا يريدون أن يكونا لأبي سفيان وأخبرا بأنهما لأبي جهل ضربوهما ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته، فلما قضى عاتب أصحابه في ذلك .

9-  من أطاع الله طوَّع الله له كل شيء ، قال تعالى :{ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ * إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ } (الأنفال: 11-14) .

10- دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لربه وكثرة تضرعه في هذه الغزوة وفي غيرها دليل على مسألتين:
الأولى: أن الدعاء عامل رئيس من عوامل النصر على الأعداء ، فهو السلاح الفتّاك المهمل .
الثانية: أنّ العبادة لا ينبغي أن تكون إلا لله ، فالكل فقير إلى ربه ، والله هو الغني الحميد الصمد الذي تصمد إليه الخلائق في حوائجها ، فكيف يُلجأ إلى غيره وخير خلق الله كان يلجأ إليه؟

11- عظيم حب الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم ، فلقد كان صلى الله عليه وسلم يعدل صفوف أصحابه يوم بدر ، وفي يده قدح لذلك ، فمر بسواد بن غَزِيَّة وهو مستنصل من الصف ، فطعن في بطنه بالقدح وقال :«استو يا سواد» . فقال : يا رسول الله أوجعتني ، وقد بعثك الله بالحق والعدل فأقدني . فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه وقال :«استقد» . فاعتنقه فقبل بطنه ، فقال صلى الله عليه وسلم:«ما حملك على هذا يا سواد» ؟ قال يا رسول الله حضر ما ترى ، فأردت أن يكون آخرَ العهد بك أن يمس جلدي جلدك، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير .
عجيب أن يتهيأ رسول الله صلى الله عليه وسلم للقصاص في هذه الأزمة التي تمر بها أمته ! ومالي أعجب وهو الذي قال : «لَا قُدِّسَتْ أُمَّةٌ لَا يَأْخُذُ الضَّعِيفُ فِيهَا حَقَّهُ غَيْرَ مُتَعْتَعٍ» [ابن ماجة] . وفي القصة كريم أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، وفيها أنّ السلطان فمن دونه لا يعلو منهم أحد على الحق، فإذا ظلم الحاكم أحداً من رعيته وجب عليه أن يمكن المظلوم من القصاص ، وهي فائدة جرى القلم بها ولا أطمع أن يُشاهد ذلك في أرض الواقع !!

12- الحنكة العسكرية في قيادة النبي صلى الله عليه وسلم لجيشه ، فلقد أمر أصحابه برمي الأعداء بالنبل ثم قال : «واستبقوا نبلكم» [البخاري] . وبهذا تقل منصرفات الحرب، ويثخن في العدو، ويدخر الجهد، وتعلو الروح المعنوية بالرؤية العاجلة لأثر النصر .

13- الجنة تحت ظلال السيوف .
فلقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه :«قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السماوات وَالْأَرْضُ» . فقَالَ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ الْأَنْصَارِيُّ رضي الله عنه: يَا رَسُولَ اللَّهِ جَنَّةٌ عَرْضُهَا السماوات وَالْأَرْضُ ؟ قَالَ :«نَعَمْ» . قَالَ : بَخٍ بَخٍ ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :«مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ» ؟ قَالَ : لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا رَجَاءَةَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا . قَالَ :«فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا» . فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرَنِهِ فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ ، ثُمَّ قَالَ : لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ ، فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ التَّمْرِ ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ (مسلم).

14- أنّ المسلم لا يرضى أن يساء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه حقيقة المحبة، ففي الصحيحين عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ قَالَ : بَيْنَا أَنَا وَاقِفٌ فِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ نَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي وَشِمَالِي فَإِذَا أَنَا بَيْنَ غُلَامَيْنِ مِنْ الْأَنْصَارِ حَدِيثَةٍ أَسْنَانُهُمَا تَمَنَّيْتُ لَوْ كُنْتُ بَيْنَ أَضْلَعَ مِنْهُمَا ، فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا فَقَالَ : يَا عَمِّ هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ ؟ قَالَ : قُلْتُ : نَعَمْ ، وَمَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ يَا ابْنَ أَخِي ؟ قَالَ : أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ رَأَيْتُهُ لَا يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الْأَعْجَلُ مِنَّا . قَالَ : فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ، فَغَمَزَنِي الْآخَرُ فَقَالَ مِثْلَهَا ، قَالَ: فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَزُولُ فِي النَّاسِ ، فَقُلْتُ : أَلَا تَرَيَانِ ؟ هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي تَسْأَلَانِ عَنْهُ ، فَابْتَدَرَاهُ فَضَرَبَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا حَتَّى قَتَلَاهُ، ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَخْبَرَاهُ . فَقَالَ :«أَيُّكُمَا قَتَلَهُ» ؟ فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا : أَنَا قَتَلْتُ . فَقَالَ : «هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا» ؟ قَالَا : لَا . فَنَظَرَ فِي السَّيْفَيْنِ فَقَالَ :«كِلَاكُمَا قَتَلَهُ» ، وَقَضَى بِسَلَبِهِ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ ، وَالرَّجُلَانِ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَمُعَاذُ بْنُ عَفْرَاءَ . قال النووي رحمه الله :" قال أصحابنا : اشترك هذان الرجلان في جراحته ، لكن معاذ بن عمرو بن الجموح أثخنه أولاً فاستحق السلب ، وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم : «كلاكما قتله» تطييباً لقلب الآخر من حيث إن له مشاركة في قتله ، وإلا فالقتل الشرعي الذي يتعلق به استحقاق السلب وهو الإثخان وإخراجه عن كونه متمنعاً إنما وجد من معاذ بن عمرو بن الجموح ، فلهذا قضى له بالسلب . قالوا : وإنما أخذ السيفين ليستدل بهما على حقيقة كيفية قتلهما ، فعلم أن ابن الجموح أثخنه ، ثم شاركه الثاني بعد ذلك وبعد استحقاقه السلب ، فلم يكن له حق في السلب . هذا مذهب أصحابنا في معنى هذا الحديث" (شرح مسلم 12/63) . ثم احتز ابن مسعود رضي الله عنه رأسه بعدُ وذهب به إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم.

15- وفاء النبي صلى الله عليه وسلم حتى مع الكافرين ، فقد ورد في دلائل النبوة للبيهقي أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال :«من لقي أبا البختري بن هشام فلا يقتله» ، ثم أورد البيهقي قول ابن إسحاق :" وإنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أبي البختري لأنه كان أكفَّ القوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة ، وكان لا يؤذيه ، ولا يبلغه عنه شيء يكرهه. وكان ممن قام في نقض صحيفة المقاطعة .

وتشرق شمس الوفاء في موطن آخر ، لما قال النبي صلى الله عليه في أُسَارَى بَدْرٍ :«لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلَاءِ النَّتْنَى لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ» [البخاري]، قالها وفاءً له ؛ فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم لما انصرف عن أهل الطائف ، ولم يجيبوه إلى ما دعاهم إليه من تصديقه ونصرته صار إلى حراء ، ثم بعث إلى الأخنس بن شريق ليجيره ، فقال : أنا حليف والحليف لا يجير . فبعث إلى سهيل بن عمرو ، فقال : إن بني عامر لا تجير على بني كعب . فبعث إلى المطعم بن عدي فأجابه إلى ذلك ، ثم تسلح المطعم وأهل بيته وخرجوا حتى أتوا المسجد ، ثم بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن ادخل فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فطاف بالبيت ، وصلى عنده ، ثم انصرف إلى منزله . فما أحوجنا إلى وفاء النبي صلى الله عليه وسلم مع أعدائه بين إخواننا !!

16- لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة : 22] . في بدر : دعا أبو بكر ابنه إلى المبارزة، وقتل عمر خاله ، وعلي وحمزة قتلا عتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة ، وأسر أبو اليسر أبا عزيز بن عمير ، فمر به أخوه مصعب بن عمير فقال : اشدد يديك به؛ فإن أمه ذات متاع لعلها تفديه منك ، قال له أبو عزيز : يا أخي هذه وصاتك بي ؟ فقال له مصعب : إنه أخي دونك . فسألت أمه عن أغلى ما فدى به قرشي ، فقيل لها : أربعة آلاف درهم، ففدته بها . ولما استشار النبي صلى الله عليه وسلم عمر رضي الله عنه في الأسرى قال : أرى أن تمكِّنَّا فنضربَ أعناقهم ، فتمكنَ علياً من عَقِيل فيضرب عنقه ، وتمكِّنِّي من فلان -نسيباً لعمر - فأضرب عنقه ، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها، حتى يعلم الله أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين (مسلم وأحمد).

فرضي الله عن أصحاب نبينا ما أصدق إيمانهم! ولن يذوق أحد طعم الإيمان بالله حتى يقيم هذه العقيدة في قلبه، عقيدةَ الولاء والبراء .

17- الحق منصور ولكنه مبتلى ، ولابد من سنة التدافع بين أهل الحق والباطل ، فالفائز من استعمله الله ليعلي به دينه ، وإن ربك غني عن العالمين .

18- الحرص على عدم مخالفة أمر الله ، فليس بين الله وبين عباده من نسب ، قال تعالى :{ لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرً} [النساء : 123] , ففي صحيح مسلم قال ابن عباس رضي الله عنهما : لما أَسَرُوا الْأُسَارَى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ :«مَا تَرَوْنَ فِي هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى» ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ هُمْ بَنُو الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةِ ، أَرَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمْ فِدْيَةً فَتَكُونُ لَنَا قُوَّةً عَلَى الْكُفَّارِ ؛ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُمْ لِلْإِسْلَامِ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا تَرَى يَا ابْنَ الْخَطَّابِ» ...- فقال ما تقدم ذكره في الفائدة السابقة ثم قال عمر - : فَهَوِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلْتُ ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ جِئْتُ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ قَاعِدَيْنِ يَبْكِيَانِ ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي مِنْ أَيِّ شَيْءٍ تَبْكِي أَنْتَ وَصَاحِبُكَ ، فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ وَإِنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءً تَبَاكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :«أَبْكِي لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُكَ مِنْ أَخْذِهِمْ الْفِدَاءَ ، لَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُهُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ» ، شَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ :{ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ إِلَى قَوْلِهِ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طيب} [الأنفال: 67] ، فَأَحَلَّ اللَّهُ الْغَنِيمَةَ لَهُمْ 
. والكتاب الذي سبق :{ الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء} [محمد:4].

مرسلان الملاحظة باللغة العربية: مفتى تاج الدين القاسمى, نصير مصباحى,  مولوى محمد الياس, مرتب مع معلومة مزيدية حنيف جمالى.

1 comments:

السلام على الجميع،

اسمي السيدة دانة أحمد. أنا امرأة سعيدة اليوم، وقلت لنفسي إن أي مُقرض ينقذ عائلتي من وضعنا السيئ، سأحيله إلى أي شخص يبحث عن قرض. لقد أعطوا السعادة لي ولعائلتي. كنت بحاجة إلى قرض لبدء حياتي من جديد لأنني أم عازبة ولديها 3 أطفال. لقد التقيت بشركة القروض الصادقة والخائفة من الله والتي ساعدتني في الحصول على قرض. إذا كنت بحاجة إلى قرض وسوف تقوم بسداد القرض، يرجى الاتصال بفايزة للتمويل وإخبارهم أن السيدة دانة أحمد هي التي تحيلك إليهم. اتبع جميع التعليمات وسوف تحصل على القرض الخاص بك. اتصل بهم على بريدهم الإلكتروني: (contact@faizaafzalfinance.com) أو WhatsApp: +91 (789) 937-7046. للمزيد من المعلومات.

Post a Comment