26 February 2015

أهمية التصوف


أهمية التصوف
قال الإمام السيد أحمد الرفاعي قدس الله سره:
هذا الدين الجامع باطنه لب ظاهره ، وظاهره ظرف باطنه ، لولا الظاهر لما بطن لولا الظاهر لما كان ولما صح القلب لا يقوم بلا جسد ، بل لولا الجسد لفسد والقلب نور الجسد .
هذا العلم (التصوف) الذي سماه بعضهم بعلم الباطن هو إصلاح القلب.
إذا انفرد قلبك بحسن نيته، وطهارة طويته وقتلت وسرقت وزنيت وأكلت الربا وشربت الخمر وكذب وتكبرت وأغلظت القول فما الفائدة من نيتك وطهارة قلبك ؟! وإذا عبدت الله وتعففت وصمت وصدقت وتواضعت وأبطن قلبك الرياء والفساد فما الفائدة من عملك؟! ... أي حالة باطنة للمسلم لم يأمر ظاهر الشرع بعلمها؟! أي حالة ظاهرة لم يأمر ظاهر الشرع بإسلاح الباطن لها ؟!

إن الشارع أمر الإنسان بتكاليف في خاصة نفسه وترجع إلى قسمين:
قسم يتعلق بأعماله الظاهرة وقسم يتعلق بأعماله البطنة وبلفظ آخر : أحكام تتعلق باهر الجسد وأحكام تتعلق بباطن الجسد (القلب).
وأما الأعمال التي تترتب على الجسد فهي نوعان: أوامر نواه فالأوامر المفروضة هي كالصلاة والصوم والزكاة والحج... وأما لنواهي المحظورة فهي كتحريم الزنا والسرقة وشرب الخمر وحقوق العباد كافة ...
واما الأعمال التي تتربت على القلب فهي نوعان أيضا أوامر ونواه فالأوامر الفمروضة : كالإيمان بالله وملائمته وكتبه ورسله واليوم الآخر .. وكالإخلاص والتوكل والخشوع والصدق والصبر .... .
وأما الواهي المحورة فكالكفر والنفاق والحقد والحسد والكبر والعجب والرياء.
وهذا القسم الثاني هو المعول عليه في ديننا ألا وهو أعمال القولب لأن مبنى الأمور كلها على إخلاص النيات لرب البريات التي لا يعلم بها غيره ، فقد قرن الله سبحانه وتعالى أعمال الظاهر وسلامة الباطن فيها لأن فساد الباطن يوجب فساد الأعمال الظارة فقال: ﴿فمن كانه يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا﴾([32][32]).
ولهذا كان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ينم ملكا وتوجيها لاهتمام صحابته الكرام لإصلاح قلوبهم ويبين لهم هذا الملك وأن صلاحج الإنسان متوقف على صلاح هذا القلب وصفائه من كل الشوائب الكامنة في جنباته فقال : (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)([33][33])، لأن العمدة يوم القيامة القلب السليم كما أخبر الله سبحانه وتعالى فقال: ﴿يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم﴾([34][34]).
وكما أخبر سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم أن محل نظر الرب هو القلب فقال (إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينر إلى قلوبكم وأعمالكم)([35][35]).
وما فرق سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ظاهر صلاح الأعمال عن باطن صدق القلوب.
وقال الإمام جلال الدين السيوطي رحمه الله تعالى : (وأما علم القلب ومعرفة أمراضه من الحسد والعجب والرياء ونحوها فقال فيها الإمام الغزالي رحمه الله تعالى إنها فرض عين)([36][36]).
(فتصفية القلب ومداواته من أهم الفرائض العينية وأهم الواجبات الربانية، وقد دل على ذلك ما جاء في الكتاب والسنة وأقوال العلماء والفقهاء) .
أولا : أهميته في الكتاب:
أمر الله تعالى خلقه أن تكون جميع عباداتهم القولية والفعلية والمالية خالصة له تعالى بعيدة عن الرياء فقال: ﴿وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين﴾([37][37])، وقد حرم الفواحش فقال: ﴿قل إنما حرم ربي افلفواحش ما ظهر منها وما بطن﴾([38][38])، وقال تعالى: ﴿ولا تقربوا الفواحش ما هر منها وما بطن﴾([39][39]).
والفواحش الباطنية كما قال المفسرون هي الحقد والرياء والحسد والنفاق... .
ثانيا: أهميته في السنة :
الأحاديث التي وردت في النهي عن الحقد والكبر والرياء والحسد كثيرة منها:
·   قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يكذبه ولا يحقره التقوى ههنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)([40][40]).
·       ويقول عليه الصلاة والسلام: (إن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصا وابتغي به وجهه)([41][41]).
·   وكذلك الأحاديث التي تأمر بالتحلي بالأخلاق الحسنة والمعاملة الجيدة الطيبة فقد قال فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (إن الرجل ليبلغ بحسن الخلق درجة الصائم القائم)
·       ويقول عليه الصلاة والسلام: (اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن)
أقوال العلماء في أهمية التصوف:
أجمع العلماء على أن الأمراض والآفات القلبية من الكبائر التي تحتاج إلى توبة مستقلة لأن أمراض الباطن كافية لإحباط أعمال العبد ولو كانت كثيرة.
قال الفقيه العلامة الكبير ابن عابدين في حاشيته الشهيرة: (إن علم الإخلاص والعجب والحسد والرياء فرض عين مثل غيرها من آفات النفوس كالكبر والشح والحقد والغش والغضب والداوة والبغضاء والطمع والبخل والبطر والخيلاء والخيانة والمداهنة والاستكبار عن الحق والمكر والمخادعة القسةوة وطول الأمل ونحوها مما هو مبين في ربع المهلكات في الإحياء قال فيه : ولا ينفك عنها بشر فيلزمه أن يتعلم منها ما يرى نفسه محتاجا اليه وإزالتها فرض عين ولا يمكن إلا بمعرفة حدودها وأسبابها وعلاماتها وعلاجها فإن من لا يعرف الشر يقع فيه)
وإن التصوف هو الذي اختص بمعالجة الأمراض القلبية وتزكية النفوس والتخلص من صفاتها الناقصة الذميمة.
ويقول صاحب مراقي الفلاح العلامة الشرنبلالي: (لا تنفع الطهارة الظاهرة إلا مع الطهارة الباطنة وبالإخلاص والنزاهة عن الغل والغش والحقد والحسد وتطهير القلب عما سى الله من الكونين فيعبده لذاته لا لعلة مفتقرا إليه وهو يتفضل بالمن بقضاء حوائجه المضطر اليها عطفا عليه فتكون عبدا فردا للمالك الأحد الفرد لا يسترقك شيء من الأشياء سواه ولا يستملك هواك عن خدمتك إياه).
نعم كما لا يحسن بالعبد أن يظهر أمام الناس بثياب ملطخة بالإذار والأوساخ وكذلك لا يليق به أن يتحرك وقلبه مسود بالظلمات مريض بالعلل والآفات ونفسه مشوبة بالكدورات ومتعلقة بالشهوات.
ويقول صاحب الهدية العلانية: وقد تظاهرت نصوص الشرع والإجماع على تحريم الحسد واحتقار المسلمين وإرادة المكروه بهم والكبر والعجب والرياء والنفاق وجملة الخبائث من أعمال القلوب بل السمع البصر والفؤاد فكل ذلك كان عنه مسؤولا مما يدخل تحت الاختيار.
وقال صاحب جوهرة التوحيد الشيخ إبراهيم اللقاني:
وأمر بعرف واجتنب نميمة
وغيبة وخصلة ذميمة
كالعجب والكبر وداء الحسد
وكالمراء والجدل فاعتمد
يقول شارحها عند قوله: وخصلة ذميمة أي واجتنب كل خصلةذميمة شرعا وإنما خص المصنف ما ذكره يعد اهتماما بعيوب النفس لأن بقاءها مع إصلاح الظاهر كالذي يلبس ثيابا حنة وجسمه ملطخ بالأوساخ ويكون كالعجب أيضا وهو رؤية العبادة واستعظامها كما يعجب العالم بعلمه والعابد بعبادته فهذا كله حرام ومثل العجب الرياء واللم والبغي والكبر وداء الحسد والجدل والمراء
والكبر من أمراض القلوب وهو وحده يكفي لدخول النار بدليل قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ».
يقول ابن ذكوان في أهمية التصوف وفائدته:
علم به تصفية البواطن
من كدرات النفس في المواطن
قال العلامة المنجوري في شرح هذا البيت (التصوف علم يعرف به كيفية تصيفة الباطن من كدرات النفس أي عيوبها وصفاتها المذمومة كالغل والحقد والحسد والغش وحب الثناء والكبر والرياء والغضب الطمع والبخل وتعظيم الأغنياء والاستهانة بالفقراء لأن علم التصوف يطلع على العيب والعلاج وكيفيته فبعلم التصوف يتوصل إلى قطع عقبات النفس والتنزه عن أخلاقها المذمومة وصفاتها الخبيثة حتى يتوصل إلى تخلية القلب عن غير الله تعالى وتحليته بذكر الله تعالى)
وللسادة الصوفية الحظ الأوفر من الوراثة النبوية في تحلية النفس بالصفات الكاملة كالتوبة والتقوة والاستقامة والصدق والإخلاص والورع والتوكل والرضا والأدب والتسليم والمحبة والذكر والمراقبة وقد قيل في حقهم:
قد رفضوا الآثام والعيوبا
وطهروا الأبدان والقلوب
وبلغوا حقيقة الإيمان
وانتهجوا مناهج الإحسان(
فالتصوف اهتم بالجانب القلبي واهتم أيضا بما يقابله من العبادات المالية والبدنية وسهل ورسم الطريق الحقيقي العلمي المعلي الذي يوصل المسلم إلى أعلى مقامات الكمال الإيماني الخلقي ولم يقتصر فقط على قراءة أوراد وحلقات أذكار فحسب بل التصوف منهج علمي وعملي صحيح شامل كامل يحقق تغير الإنسان إلى شخصية مسلمة متكاملة مثالية وسبب نجاح الصوفية في هذه الأعمال هو حرصهم وشدة اتباعهم لسيد الخلق وحبيب الحق سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
ويوقل الإمام السيد أحمد الرفاعي قدس الله سره : (الفقير (الصوفي) على الطريق ما دام على ا لسنة فمتى حاد عنها زل عن الطريق)
فتجلى لنا إذا بعد كل هذه الألة وبوضوح أن التصوف هو روح الإسلام وقلبه السليم وليس أعمالا ظاهرية وأفعالا شكلية لا حياة فيها ولا روح.
وبفقد روح الإسلام وجوهره وصل المسلمون إلى درك من الانحطاط والضعف لذلك هم العلماء العاملون الصادقون أصحاب المبادئ والمرشدون المربون العارفون بنصح الناس بالالتزام مع الصوفية وصحبتهم ليتحققوا بأمر الله تعالى ﴿اتقوا الله وكونوا مع الصادقين﴾ لكي يحظوا برضاء الله ويتذوقوا معاني الصفاء القلبي والسمو الخلقي ويتعرفوا على الله تعالى معرفة حقيقية يقينية وحظوا بمحبته ومراقبته ودوام ذكره.
قال حجة الإسلام الإمام الغزالي: بعد أخ اختبر طريق التصوف ولمس نتائجه وذاق ثمراته (الدخول مع الصوفية فرض عين إذ لا يخلو أحد من عيب إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام).
وقال الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى : (عليك بطريق الحق ولا تستوحش لقلة السالكين وإياك وطريق الباطل ولا تغتر بكثرة الهاليكن وكلما استوحشت من تفردك فانظر إلى الرفيق السابق واحرص على اللحاق بهم وغض الطرف عن سواهم فإنهم لن يغنوا عنك من الله تعالى شيئا وإذا صاحوا بك في طريق سيرك فلا تلتفت اليهم فإنك متى التفت اليهم أخذوك وعاقوك).
ولما كان هذا الطريق صعب المسالك على النفوس الناقصة فعلى الإنسان أن يجتازه بعزم وصبر ومجاهدة حتى ينقذ نفسه من بعد الله وغضبه.

0 comments:

Post a Comment